رغم مرور عقود على انفصال كندا عن “التاج البريطاني”، إلا أن العلاقة بينهما لا تزال واحدة من أكثر الروابط ثباتاً واستمرارية في العالم الحديث. هذه العلاقة، التي تأسست على قرون من التاريخ الاستعماري، تطورت إلى شراكة معقدة تمزج بين التراث الثقافي، التقاليد، والمصالح المشتركة في مجالات مثل التجارة، الدفاع، والسياسة الدولية.
كندا، التي كانت في السابق مستعمرة بريطانية، حصلت على استقلالها الرسمي بموجب قانون الدستور في العام 1982، لكنها احتفظت بنظام ملكي دستوري، حيث لا تزال الملكية البريطانية تمثل رأس الدولة الكندية بشكل رمزي. الملك تشارلز الثالث، ملك المملكة المتحدة، هو أيضاً الملك الرسمي لكندا، مما يبرز مدى الترابط العميق بين البلدين، رغم المسافات.
على الصعيد الاقتصادي، تربط البلدين علاقات تجارية قوية، حيث تعتبر المملكة المتحدة واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لكندا. بعد خروج بريطانيا من “الاتحاد الأوروبي”، سعت كندا والمملكة المتحدة إلى تعزيز علاقاتهما التجارية عبر اتفاقية انتقالية، للحفاظ على التبادل التجاري القوي بينهما. كجزء من ذلك، تعمل الدولتان حالياً على التفاوض بشأن اتفاقية تجارة حرة دائمة، من شأنها تعزيز الروابط الاقتصادية بينهما، مع التركيز على إزالة الحواجز الجمركية، وتسهيل الاستثمار المتبادل.
قضايا الدفاع والأمن أيضاً جزء لا يتجزأ من هذه العلاقة: كندا والمملكة المتحدة عضوان في حلف شمال الأطلسي (“الناتو”)، وتعاونتا بشكل وثيق في العديد من النزاعات الدولية. خلال الحربين العالميتين، حاربت القوات الكندية جنباً إلى جنب مع نظيرتها البريطانية، مما خلق تاريخاً عسكرياً مشتركاً وموروثاً من التعاون الاستراتيجي المستمر.
لكن رغم هذه الروابط العميقة، تواجه العلاقة بين كندا والمملكة المتحدة تحديات جديدة في القرن الحادي والعشرين، فظهور قوى عالمية جديدة وتغير التحالفات الدولية، يعني أن البلدين يعيدان النظر في أدوارهما على الساحة العالمية. كندا، تحت قيادة رئيس الوزراء جاستن ترودو، تسعى إلى تنويع شراكاتها التجارية، وتقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي”، فيما تواجه المملكة المتحدة تبعات “البريكست” وما يحمله من تداعيات اقتصادية وسياسية.
مع ذلك، فإن التحديات لم تضعف العلاقة الأساسية بين البلدين، وما تزال الروابط الثقافية واللغوية تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على هذه الصلة التاريخية. أما بالنسبة للكنديين الأكبر سناً، أو من هم من أصول بريطانية، فإن العلاقة مع المملكة المتحدة غالباً ما تحمل طابعاً عاطفياً وتاريخياً.
أما الجيل الشاب، فإنه أقل ارتباطاً عاطفياً بهذه العلاقة، ويرى بعضهم أن كندا قد تكون أفضل حالاً إذا ركزت أكثر على تعزيز هويتها المستقلة. من ناحية ثانية، هناك نقاش مستمر حول مدى جدوى الحفاظ على الملكية الرمزية البريطانية في كندا. بعض الكنديين يشعرون بأن الوقت قد حان لإنهاء هذا الفصل من التاريخ، وتبني هوية أكثر استقلالية. وفي ما يتعلق بالتجارة و”الدفاع”، جزء كبير من الكنديين يدرك أهمية العلاقة الاستراتيجية مع بريطانيا، لكنهم في نفس الوقت مهتمون بتنويع علاقات كندا الدولية بعد خروج المملكة المتحدة من “الاتحاد الأوروبي”.

[spbsm-share-buttons]