بدأت قصة البترول في كندا بمنتصف القرن التاسع عشر، عندما تم اكتشاف أول بئر نفط تجاري في مقاطعة أونتاريو، في العام 1858. كان هذا الاكتشاف في بلدة صغيرة تدعى “أويل سبرينغز”، وأصبح علامة فارقة في تاريخ صناعة الطاقة في البلاد. ومع مرور العقود، توسعت صناعة النفط الكندية بشكل ملحوظ، لتصبح جزءاً أساسياً من الاقتصاد الوطني. خلال أوائل القرن العشرين، تحول التركيز نحو غرب كندا، حيث بدأت مقاطعة ألبرتا بالظهور كمركز رئيسي للنفط في البلاد، بعد اكتشاف حقول نفط ضخمة في “لدوك” في العام 1947.
أصبحت ألبرتا “عاصمة النفط” في كندا، وتوسعت المشاريع النفطية بسرعة، ما جعل البلاد واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط على مستوى العالم. كما أن كندا تعتبر ثاني أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وتغطي مساحاتها الشاسعة موارد هائلة من الطاقة. ومعظم احتياطات النفط الكندية تتركز في ألبرتا، حيث توجد الرمال النفطية التي تحتوي على احتياطات ضخمة من النفط الثقيل. تقدّر “هيئة الموارد الطبيعية الكندية” (NRCan) أن كندا تمتلك أكثر من 170 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، مما يجعلها ثالث أكبر دولة من حيث الاحتياطيات بعد فنزويلا والمملكة العربية السعودية.
هذه الاحتياطات تجعل كندا لاعباً رئيسياً في سوق الطاقة العالمي، حيث تمثل الرمال النفطية في ألبرتا الجزء الأكبر من الاحتياطيات. بالإضافة إلى ألبرتا، تمتلك ساسكاتشوان ومانيتوبا أيضاً كميات من النفط التقليدي، بينما هناك اهتمام متزايد بالموارد النفطية البحرية في نيوفاوندلاند ولابرادور.
على صعيد الإنتاج والتصدير، تُعدّ كندا واحدة من أكبر المنتجين والمصدرين للنفط في العالم، إذ تنتج حوالي 5.5 مليون برميل يومياً، وتصدر أكثر من 3.5 مليون برميل في اليوم أيضاً. الغالبية العظمى من هذا الإنتاج يأتي من الرمال النفطية في ألبرتا. تعتمد كندا بشكل كبير على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة، التي تعد الشريك التجاري الرئيسي، حيث يُعتبر النفط أكبر مصدر للصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة، ويشكل حوالي 80 في المئة من صادرات كندا النفطية.
لكن السياسة النفطية في كندا تتأثر بعوامل متعددة، بما في ذلك البيئة والعلاقات الدولية. صناعة النفط، وخاصة استخراج النفط من الرمال النفطية، أثارت جدلاً كبيراً نظراً لتأثيرها البيئي. يُعتبر استخراج النفط من الرمال النفطية عملية مكلفة بيئياً، حيث تتطلب كميات ضخمة من الماء والطاقة لإنتاج النفط. هذا يجعل كندا محوراً للنقاشات الدولية حول التغير المناخي، خصوصاً في ظل التزاماتها بتقليل انبعاثات الكربون بموجب اتفاقية باريس للمناخ.
أما داخلياً، تُشكل قضية النفط محوراً للتوتر بين الحكومات المحلية والفيدرالية. في ألبرتا، تعد صناعة النفط مصدراً رئيسياً للعائدات الحكومية، ما يجعل السياسات البيئية الفيدرالية، مثل فرض ضرائب الكربون، مسألة حساسة. الحكومة الفيدرالية، بدورها، تحاول تحقيق توازن بين التزاماتها البيئية ودعم الاقتصاد المعتمد على النفط.
ومع تزايد الضغط الدولي للتحول نحو مصادر الطاقة النظيفة، تواجه صناعة النفط الكندية تحديات كبيرة. لكن في الوقت نفسه، تواصل كندا الاستثمار في تقنيات أكثر استدامة لاستخراج النفط وتقليل تأثيرها البيئي. يشمل ذلك تطوير تقنيات لاحتجاز الكربون، وإعادة استخدام المياه. بالإضافة إلى ذلك، تستمر كندا في تعزيز شراكاتها التجارية، خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية، التي ستظل السوق الرئيسي لصادرات النفط الكندي على المدى الطويل.
النفط كان وما يزال جزءاً حيوياً من الاقتصاد الكندي. من اكتشافه في أونتاريو، في القرن التاسع عشر، إلى دوره المركزي في ألبرتا اليوم، لعب النفط دوراً كبيراً في تشكيل مسار كندا، كدولة صناعية متقدمة. ومع تزايد النقاشات العالمية حول التغير المناخي والطاقة المستدامة، يظل السؤال مفتوحاً حول كيفية تكيّف كندا مع المستقبل، في ظل الاعتماد الكبير على ثروتها النفطية.